شيد سكان هذه المدينة الكثير من المساجد التي ما تزال حاضرة إلى زمننا هذا أشهرها المسجد العمري الكبير (نسبة إلى عمر بن الخطاب) ، ومسجد السيد هاشم
المسجد العمري
يعتبر المسجد العمري أقدم وأعرق مسجد في مدينة غزة ، ويقع وسط "غزة القديمة" بالقرب من السوق القديم ، وتبلغ مساحته 4100 متر مربع ، ومساحة فنائه 1190مترا مربعا ، يحمل 38 عامودا من الرخام بنيانه المتين والجميل ، والذي يعكس في جماله وروعته ، بداعة الفن المعماري القديم في مدينة غزة ·
ويصف الشيخ عثمان الطباع في كتابه "إتحاف الأعزة في تاريخ غزة" المسجد العمري بقوله : "الجامع العمري الكبير الكائن بوسط مدينة غزة بالقرب من سوقها وهو أعظم الجوامع وأقدمها وأحسنها وأمتنها وأتقنها ، وفيه بيت كبير قائم على ثمانية وثلاثين عامودا من الرخام واسطوانات متينة البناء وفي وسطه قبب مرتفعة على عامود فوق عامود من الجانبين - من الباب الشرقي على الباب الغربي وهوالكنيسة التي أنشأها أسقف غزة برفيريوس على نفقة الملكة "أفذوكسيا" ، " وقل أن يوجد لها نظير في بلاد الشام ، ولذلك يقصد الإفرنج والسواحل هذا المحل إلى الآن من مكان بعيد، ولم يكن لها غير الباب الخلفي والطاقات المرتفعة - ولما
فتحت غزة أيام الخليفة الأعظم صاحب الفتوحات أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه جعلت هذه الكنيسة جامعا ثم زيد فيها صف خيم من الجهة القبلية وجعل فيه محراب ومنبر وجعل موضع الناقوس منارة ثم فتح للبيت المذكور - الباب الشمالي المعروف بباب التينة والشباكان الشماليان وكذلك الباب القبلي" ·
وورد في الموسوعة الفلسطينية عن سبب تسميته بالجامع العمري : "سمي بالجامع العمري نسبة إلى الخليفة عمر رضي الله عنه ، صاحب الفتوحات ، وبالكبير لأنه أكبر جامع في غزة" ·
وحسب الموسوعة : "عمر هذا الجامع من قبل الملوك والوزراء والمصلحين كما تشهد بذلك الكتابات المنقوشة على أبوابه وجدرانه · وقد أنشأ له السلطان (لاجين) سلطان المماليك بابا ومئذنة سنة 697هـ / 1281م · ووسعه الناصر محمد · وعمر وكذلك في العهد العثماني · وقد أصاب الجامع خراب كبير في الحرب العالمية الأولى فتهدم القسم الأعظم منه وسقططت مئذنته · وقد جدد المجلس الإسلامي الأعلى عمارة الجامع سنة 1345هـ / 1926م تجديدا شاملا وأعاد بناءه بشكل فاق شكله السابق" ·
ووصف العلامة عبد الله بن مخلص المسجد أثناء زيارته في كتابه "المساجد الأثرية في فلسطين" : "هذا مسجد واسع الجنبات مرتفع الأركان · ووضعه يدل على أنه قديم البناء · ويظهر من (الرقم) التاريخية الملصقة على أبوابه ، كباب القيسارية والباب الشرقي وباب الغرفة أن السلطان الملك الناصر بن قلاوون قد أنشأ فيه زيادة سنة 730هـ 1329 - 1330م · وأن الملك المنصور لاجين أنشأ الباب الشرقي والمئذنة في سنة 730هـ / 1291م ، وأنه لما سقط المسجد المعلق المعروف بإنشاء الأمير سيف الدين بلبان المستعربي أنشأ ذلك المسجد مكانه من مال الوقف المعروف ببانيه الأول · إلا أن باب الغرفة يعود إلى المسجد المعلق لا إلى المسجد الكبير نفسه" ·
مكتبة ومخطوطات
ويمتاز المسجد العمري بمكتبة مهمة احتوت على العديد من المخطوطات في مختلف العلوم والفنون ، وعن ذلك يتحدث عبد اللطيف أبو هاشم مدير قسم التوثيق والمخطوطات والمكتبات بوزاة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية في كتابه "المساجد الأثرية في مدينة غزة" : "ترجع نشأة هذه المكتبة إلى الظاهر بيبرس البندقداري الذي كان محبا لغزة ، وشديد العطف على أهلها ، وهو الذي أقام بها المنشآت من مساجد وزوايا ومستشفيات و(بيمارستانات) ومكتبات ، فكانت هذه المكتبة (مكتبة العمري) تحتوي على نيف وعشرين ألف كتاب في مختلف العلوم
والفنون ، وكانت تسمى في السابق مكتبة الظاهر بيبرس" ·
ويقول عبد اللطيف : "في هذه المكتبة يوجد قسط وافر من كتب العلماء الغزيين ووقفياتهم التي كانوا يقفونها ، فنجد في بداية كل مخطوط أو مطبوع العبارة التالية : {ورد لمكتبة الجامع العمري الكبير من - فلان على ألا يباع أو يبدل (حسب شروط الموقف)} ، نجد في هذه المكتبة بعض النوادر مثل ديوان (ابن قزاعة) الغزي الصوفي ، وكتب الخطيب التمرتاشي الغزي ، وكتب الشيخ الطباع ، وكتب الشيخ سكيك ، وكتب الشوا ، وكتب بسيسو ، وغيرهم من العلماء الأجلاء الذين كانوامنارا يهتدى بهم·
ولم يخل كتاب من كتب المكتبة - سواء أكان مخطوطا أم مطبوعا - إلا وللشيخ الطباع عليه بصمات ، حيث كان يقوم بكتابة كل ما يتعلق ببيانات الكتاب من : تاريخ ورود ، واسم المورد أو المتبرع أو الواقف ، وقد عمل سجلا للمكتبة بحيث حصر جيمع مقتنياتها" ·
ويذكر عبد اللطيف : "تحتوي مكتبة الجامع العمري على مائة واثنين وثلاثين مخطوطة - ما بين مصنف كبير (مجلد) ورسالة صغيرة (···) ، ويعود تاريخ نسخ أقدم مخطوط إلى سنة 920هـ · وهو بعنوان {شرح الغوامض في علم الفرائض} 75 وهو من تأليف بدر الدين محمد بن أحمد المارديني المتوفي سنة 867هـ وناسخه هو أحمد بن محمد العسلي المالكي الأزهري ، وقد ورد لمكتبة الجامع العمري الكبير إهداء من مكتبة الشيخ علي أبو المواهب الدجاني مفتي مدينة يافا قبل عام 1948 بواسطة حفيده السيد يوسف الدجاني" ·
ويشير عبد اللطيف في كتابه إلى أن المخطوطات في حالة يرثى لها ، فأغلبها قد ضربتها الأرَضة والرطوبة ، والبعض منها تعفن وتآكل بسبب عوامل الجو ، والزمن والإهمال وعدم الصيانة ، وهذا مما يجعل هذه الكنوز بلا فائدة ويحول دون الاستفادة منها" ·
ويقول عبد اللطيف في لقاء مع (الشبكة الإسلامية) : "المخطوطات بحاجة لمكان خاص تحفظ فيه يتوفر فيه هواء ورطوبة معتدلين ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن عمر المخطوطات يتجاوز الخمسة والأربعة قرون" ·
وثمة مشكلة أخرى عانت منها هذه المخطوطات ردهًا من الزمن قبل أن تتمكن وزارة الأوقاف الفلسطينية من إيجاد حلول لهذه المشكلة من خلال المشاركة في دورات تدريبية في مؤسسة جمعة الماجد للثقافة والتراث ، وجامعة الدول العربية ، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، للتدريب على صيانة المخطوطات والمحافظة عليها · كما تبرعت مؤسسة الماجد بأجهزة لترميم المخطوطات ، بحيث يتم معالجة وإعادة تصنيع الورق الذي صنعت منه تلك المخطوطات" ·
مسجد السيد هاشم
ويعتبر مسجد السيد هاشم من أقدم مساجد غزة ، وأتقنها بناء ، ويقع في حي الدرجفي المنطقة الشمالية لمدينة غزة القديمة ، ويبعد عن المسجد العمري مسافة كيلو متر واحد تقريبا ، وورد في الموسوعة الفلسطينية أنه من الراجح أن المماليك هم أول من أنشأه ، وقد جدده السلطان عبد المجيد العثماني سنة 1266 هـ / 1830م" ·
وتشير المراجع التاريخية إلى أن مدرسة كانت موجودة في المسجد أنشأها المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى في فلسطين من مال الوقف ، وقد أصابت الجامع قنبلة أثناء الحرب العالمية الأولى فخربته · لكن المجلس الإسلامي الأعلى عمره وأرجعه إلى أحسن مما كان عليه ·
ويقول الطباع في كتابه : "السيد هاشم مدفون بمغارة بجانب والده · وقيل عليه أو تحت رجليه . قال ابن هشام : ومات عبد مناف بغزة ·· وهو أول من سن الرحلتين لقريش للتجارة ، وكان في كل سنة يأتي لمدينة غزة ويقيم فيها مدة الصيف وفي آخر مرة من رحلته توفي بها ، ودفن بإجماع المؤرخين ، ولذلك نسبت المدينة إليه فقيل لها منذ ذلك الوقت (غزة هاشم) ، وكان مدفنه بموضعه المعروف ، وكان بلقعا لا بناء فيها بالقرب من سور المدينة من الجهة الشمالية القريبة" ·
ويقول الطباع : "جعلت للمسجد كتيبة كبيرة ، وجمعت فيها مكتبة عظيمة أكثرها من الكتب المخطوطة النفيسة ، وصارت تقام فيه الصلوات الخمس والجمعة ، وأقام بحجراته بعض أهل العلم والطلبة والقراء ، وآوى إليه أبناء السبيل والغرباء وجعل له موسم في كل عام ثمانية أيام بلياليها ، وينتهي ليلة الثاني عشر من شهر ربيع الأول يزدحم فيها الناس ويؤمه الرجال والنساء من غزة وضواحيها ، في سنة 1323هـ نقضت منارته لخلل واعوجاج ظهر بها وجدد بناؤها وعمر بجانبها من الجهة القبلية بيت آخر للصلاة محاذٍ للبيت الأول وصدر الإذن السلطاني بإقامة صلاة الجمعة به وبالخطبة فيه (···) ثم بسبب الحرب العامة (العالمية) حدث فيه خراب كبير وضرر عظيم وفقدت تلك المكتبة القيمة بالسرقة والسلب والتمزيق حتى لم يبق لها أثر ، وبالسعي والإلحاح المتكرر جرت عمارته تدريجيا حتى عاد كما كان ، وقدمت له بعض قواعد للعمد من الرخام ثم أقام المجلس الإسلامي فيه مدرسة لطلبة العلم وعين لها أربعة من المدرسين ، ثم ألغاها ، واكتفى بمدرسة العجزة لتعليم وتجويد القرآن العظيم بمعلم واحد من الحفاظ المجيدين ، ثم انتقلت به لمدرسة الفلاح الوطنية بضع سنوات ثم انتقلت إلى مقرها الذي كان الجيش الإنجليزي قد احتله في مدة حرب الألمان" ·